“تطور التكنولوجيا هو الأمل الوحيد لإنقاذ البشرية من نفسها.” – فريمان دايسون
إن التقنيات التي ظهرت في القرن العشرين، مثل التحكم الآلي وعمليات التصنيع الآلي، ساهمت في تفاقم مشكلة تغير المناخ. فهل يمكن للبيانات والتكنولوجيا الرقمية في القرن الحادي والعشرين أن تساعدنا في حل هذه المشكلة؟
تدرك الشركات الرائدة أن تحقيق أهداف الاستدامة يتطلب نهجًا شاملاً للتغيير، وينبغي على فِرق الإدارة التأكد من أنها تقدم تكنولوجيا مبتكرة وتفكير رقمي لتحقيق أهداف الاستدامة. ولذلك وضعت الدول خططًا وأهدافًا متنوعة لجعل العالم أكثر استدامة بحلول عام 2030.
بفضل التطورات التكنولوجية السريعة، زادت فرص تحقيق هذه الخطط والأهداف، حتى أصبحت التكنولوجيا أداة تنموية في حد ذاتها، حيث تؤكد خطة التنمية المستدامة أن انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والترابط العالمي له إمكانات كبيرة لتسريع التقدم في حقوق الإنسان، وتقليص الفجوة الرقمية، وخلق مجتمعات قائمة على المعرفة في مختلف المجالات مثل الطب والطاقة وغيرها.
يقدم هذا المقال فهمًا عميقًا حول كيف يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دورًا حيويًا في تعزيز التنمية المستدامة. سنرى كيف يمكن أن تكون الابتكارات التكنولوجية الحديثة عاملًا محوريًا في تعزيز النمو الاقتصادي، وحماية البيئة، وتعزيز العدالة الاجتماعية.
التكنولوجيا، حليفة للعلم والابتكار:
التكنولوجيا، جنبًا إلى جنب مع العِلم والابتكار، هي واحدة من العناصر الرئيسية الثلاث لتحقيق التنمية، التي تتكامل مع بعضها البعض من أجل إنتاج ونشر واستخدام المعرفة في تقييم التحديات التنموية وفقًا للأدلة المتاحة وجمع المعلومات اللازمة حول الحلول الممكنة. يعمل العِلم على جمع المعرفة بطريقة منهجية، بينما تنطوي التكنولوجيا على تطبيق تلك المعرفة من أجل تحقيق هدف محدد، بينما يتضمن الابتكار اعتماد طرق جديدة لإنتاج واستخدام السلع والخدمات على أساس التكنولوجيا وتطوير النظم الاقتصادية والاجتماعية.
من خلال التكنولوجيا والعِلم والابتكار يمكن استخدام التقنيات الحديثة في الدول الناشئة بالتالي تحقيق أهدافها و نموها وتنميتها المستدامة. وتعزز التكنولوجيا الحياة والعمل بطرق مختلفة؛ من زيادة الوصول إلى المعلومات إلى تحسين الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من مناحي الحياة.
التوجه نحو أهداف التنمية المستدامة
هناك ثلاث طرق ممكنة يمكننا من خلالها استغلال التكنولوجيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وخلق عالم أفضل:
- الاستبدال:
يتضمن هذا النهج استخدام التكنولوجيا لتحل محل العمليات اليدوية بالكامل، مما يسهم في تعزيز الكفاءة وتقليل النفايات. على سبيل المثال، باستخدام التوقيعات الرقمية، يمكن تحسين العمليات وتقليل الاعتماد على الوثائق الورقية.
- التحسين:
تعتمد عمليات التحسين التكنولوجي على استخدام البيانات والتشغيل التلقائي لجعل عمليات معينة أكثر كفاءة. يشمل ذلك تطبيق الخوارزميات التحسينية في عمليات الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والموثوقية.
- إعادة التصميم:
إعادة التصميم تعني استخدام التكنولوجيا لتجديد منتج أو خدمة ما، وبالتالي خلق نموذج عمل جديد يتسم بالفعالية والابتكار. في بعض الحالات، يمكن أن يشمل هذا توفير وصول الأفراد إلى منتجات تشكل جزءًا من التحديات البيئية، مثل السيارات الخاصة التي تُعَد جزءًا كبيرًا من تلوث الهواء واستهلاك الموارد. بدلاً من شراء سيارة جديدة، يتيح للأفراد الوصول إلى خدمات النقل المشترك أو المركبات متعددة الاستخدام.
التكنولوجيات الناشئة ما هي؟ وكيف تسهم في تحقيق التنمية المستدامة؟
التكنولوجيات الناشئة هي التكنولوجيا الحديثة التي تتطور بسرعة وتظهر بشكل متزايد في مجموعة متنوعة من المجالات. تشمل التكنولوجيا الرقمية والذكاء الصناعي والتعلم الآلي والروبوتات والواقع الافتراضي والواقع المعزز والطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء والطاقة المتجددة والبايوتكنولوجيا والنانوتكنولوجيا والعديد من التطورات الأخرى.
هذه التكنولوجيات تتسم بإمكانيات مبتكرة تفتح أفاقا جديدة للتنمية المستدامة في مختلف المجالات مثل الطب، والزراعة، والصناعة، والنقل، والترفيه، والتعليم، والبيئة، وغيرها الكثير. تلعب التكنولوجيات الناشئة دوراً مهماً في دفع التقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي، وتشكل جزءاً لا يتجزأ من الابتكارات التي تشكل أساساً للمستقبل.
رغم الفوائد العديدة التي تقدمها التكنولوجيا، إلا أن لها تأثيرًا سلبيًا على التنمية المستدامة، مثل استنزاف الموارد وزيادة استهلاك الطاقة وتلوث البيئة. ومع ذلك، فإن استخدام قواعد البيانات وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وخدمات تخزين السحابة يمكن أن يساعد في تحقيق الاستدامة، من خلال تحديد ومعالجة الآثار السلبية المحتملة بشكل فعّال.
هل التنمية المستدامة تختص بالجوانب البيئية فقط؟
التنمية المستدامة تتعلق بأكثر من مجرد البيئة، حيث تشمل أيضًا الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. يجب على التكنولوجيا أن تلعب دورًا حيويًا في تعزيز هذه الجوانب الثلاثة. لتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية، ينبغي التركيز بشكل أساسي على الاستدامة الاجتماعية. يعني ذلك تشجيع الأفراد على اتباع ممارسات مستدامة مثل إعادة التدوير وتقليل استهلاك المياه والطاقة. هناك العديد من التقنيات التي تمكن الأفراد من السيطرة على هذه الجوانب، على سبيل المثال، تستخدم أنظمة الإضاءة الذكية الإضاءة في أماكن محددة يتواجد فيها الأشخاص وبمجرد خروجهم تغلق هذه الإضاءة، وتحافظ أجهزة التبريد والتدفئة الذكية على درجات الحرارة في مستويات معينة خلال أوقات محددة من اليوم، مما يقلل من استهلاك الطاقة ويساهم في الاستدامة الشاملة.
وفيما يلي أبرز المجالات التي يمكن من خلالها للتكنولوجيا المساهمة في خلق مستقبل مستدام:
- الحد من الفقر: لا يزال 700 مليون شخص – حوالي 10% من سكان العالم – يعانون من الفقر المدقع. في أفريقيا، على سبيل المثال، يعيش معظمهم بأقل من 1.90 دولار في اليوم. ولكن توفير الخدمات المالية الرقمية للأشخاص ذوي الدخل المنخفض وتقديم تقنيات الاتصالات ميسورة التكلفة في المجتمعات المهمشة سيسهم في فتح أسواق جديدة، وخلق فرص عمل ومصدر دخل يساعد الأفراد والعائلات من الخروج من دائرة الفقر، فضلًا عن توفير الأمان وشبكات الدعم لتحسين مستواهم المعيشي على المدى الطويل.وعلى الرغم من أن الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية يساهم في القضاء على الفقر، فإن 1.4 مليار شخص في جميع أنحاء العالم لا يمتلكون حسابات بنكية، مما يتطلب مزيدًا من العمل لتوسيع الشمول المالي إلى المناطق الريفية وتقليل الفجوة الجندرية في ملكية الحسابات المصرفية.
- الأمن الغذائي: الجوع هو أحد أهم التحديات التي تضع العالم في مفترق طرق، من المتوقع أن تتفاقم مشكلة عدم الأمان الغذائي وسيستمر 670 مليون شخص في التعرض للجوع بحلول عام 2030، ولكن يمكن للتكنولوجيا تمكين المزارعين من اعتماد ممارسات مستدامة تساعد على تحسين مكافحة الأمراض النباتية وتقليل التكاليف وترشيد استهلاك المياه والطاقة، باستخدام تقنيات إنترنت الأشياء والمستشعرات والطائرات بدون طيار، وما إلى ذلك، مما يجعل الزراعة أكثر ذكاءً وكفاءة وفعالية، ويحسن ظروف عمل المزارعين بالتالي تعزيز المجتمعات الريفية.
- تحسين صحة الأفراد: أدى انتشار جائحة كوفيد-19 إلى تغيير جديد في مفهوم الرعاية الصحية، حيث تخطت الخدمات الطبية الحدود التقليدية للمرافق والمباني، وأصبح التطبيب عن بُعد ممكنًا بفضل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة. تسهم مثل هذه التطورات في توقع الأمراض وتحسين التفاعل مع المرضى، وتمكين جمع وتحليل معلومات صحية دقيقة بواسطة مساعدة الذكاء التعليم: يواجه 773 مليون شخص في العالم نقصًا في مهارات القراءة والكتابة الأساسية. قبل انتشار جائحة كوفيد-19، كان أكثر من 264 مليون طفل خارج نطاق التعليم، وفقًا لتقديرات اليونسكو. أظهرت الجائحة أهمية الإنترنت في الحفاظ على استمرارية التعليم وتحقيق هدف التنمية المستدام “التعليم للجميع”، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة. ولمواجهة هذه التحديات، تطورت التكنولوجيا لتقديم فرص التعلم عن بُعد، وتشهد تجارب عالمية ناجحة في تطبيق التحول الرقمي في مجال التعليم عن بعد بطريقة ذكية ومرنة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
- مواجهة التحديات البيئية: تعد المشكلات البيئية مثل الجفاف وتصحر الأراضي عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق التنمية المستدامة، وفقًا لتقديرات البنك الدولي. تظهر التكنولوجيا هنا كحلا فعّالًا لهذه التحديات، حيث تسهم في تطوير مصادر الطاقة المتجددة وتعزيز الانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون. يمكن أن تقلل مثل هذه الحلول التكنولوجية من الانبعاثات الكربونية العالمية بنسبة تصل إلى 15% بحلول عام 2030.
ختاماً، أثبتت العديد من الدراسات أن التكنولوجيا تلعب دورًا أساسيًا في تحسين الأداء البيئي وتعزيز إدارة الموارد وزيادة الوعي بالمخاطر البيئية، مما يشمل القضاء على ظاهرة التصحر وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة مما يمكن التكنولوجيا من المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، لكن يتعين استخدامها بشكل مسؤول لضمان استفادة الجميع منها دون إلحاق أي ضرر. لذلك، يتعين على صانعي السياسات والشركات العامة والخاصة ورواد الأعمال الاجتماعيين والأفراد العمل سويًا لضمان استخدام التكنولوجيا بطريقة تعزز النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي وتحمي البيئة في نفس الوقت.